يكرم القرآن المصطفى
ذكر لنا ربنا في كتابه هذه المنة التي تطوق عنق كل مسلم في كل زمان ومكان، فقال: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164].
ومن ثم يؤكد القرآن الكريم على موقع النبي صلى الله عليه وسلم لدى كل مسلم؛ فيقول: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6]. فهو أقرب إلينا من قلوبنا، وأحب إلى نفوسنا من نفوسنا، وهو عند كل مسلم منا أعز لديه، وأغلى من جميع الخلق دونما استثناء، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" [متفق عليه].
نداء متميز
وقد اشتمل القرآن الكريم على الكثير من الإشارات التي تتحدث عن مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربه، ولا يتسع المجال هنا للتفصيل في كل ما يتعلق بهذا الجانب، ونكتفي بذكر بعض ما ورد بهذا الشأن.
فمثلا من علامات بر الله به وتعظيمه لشأنه أنه جل شأنه نادى جميع الأنبياء بأسمائهم، فقال: يا آدم، يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى، يا زكريا، يا يحيى... إلخ، بينما نادى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله له: يا أيها النبي – يا أيها الرسول – يا أيها المزمل- يا أيها المدثر.
وحين أثنى الله على أنبيائه السابقين بما فيهم من أخلاق كريمة؛ كان يذكر لكل نبي صفات محددة. فقال عن خليله إبراهيم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} وقال عن إسماعيل: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا} وقال عن موسى: {إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا} وقال عن أيوب {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} وحين تحدث عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بين أنه حاز الكمالات كلها فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
رحمة للعالمين
ومن الخصائص التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم أن كل نبي مبعوثا إلى قومه خاصة؛ وفي القرآن ما يشير إلى هذا. فيقول الله عن عيسى: {وَرَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}، وعن هود قال: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا}... إلخ، في حين أن رسولنا صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة في زمانه وفيما بعد زمانه، فهو خاتم النبيين، قال تعال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}. وقال جل ذكره: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}.
وفي الحديث الذي رواه الشيخان: "عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وكمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين" {صححه الألباني}.
ومن مظاهر تكريم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ما أخذه من العهد على جميع الأنبياء من الإيمان به ونصرة دينه، فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}.
ومن مظاهر تكريم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ما جاء في قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} قال قتادة: "رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس هناك خطيب ولا مستشهد ولا صاحب صلاة إلا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله".
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
ضم الإله اسم النبي إلى اسمه ** إذ قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله ** فذو العرش محمود وهذا محمد
ثناء متتالي
ومن مظاهر تكريم الله تعالى لنبيه وثنائه عليه ما جاء في مطلع سورة النجم مع غيرها من السور حيث أثنى الله على عقله فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} وأثنى على لسانه. فقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} وأثنى على جليسه ومعلمه جبريل فقال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} وأثنى على بصره فقال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} وأثنى على صدره فقال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} وأثنى على أخلاقه كلها فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
مع تحيات......حمود آل طوق